mercredi 13 septembre 2017

I مرفئ آخر


وها قد رست سفني في مرفئ آخر. وهذه المرة، ليست بهدف الدراسة ولكن من أجل "طرف" خبز. حي جديد، بيت جديد، سرير جديد، كل شئ جديد إلا أنا، البالية. لا الطريق كانت سهلة ولا الرياح صبا.

بعد طنجة، رجعت إلى الديار، إلي حضن أمي الدافئ وإلي درع أبي الواقي وإلي تصابي أختي المتصابي وإلى حجرتي الفتون وبيدي ورقة، دبلوم لم يختزل من عامي المعانات والحراك والبؤس والفرح والجروح التي مافتئت تندمل إلا نجاح. لما لم يذكروا الليالي البيضاء؟ لما لم يذكروها؟ لما لم يذكروا العاهرة ليلا والعفيفة نهارا؟ لما لم يذكروا الدموع والركوع؟ لما لم يذكروا الليالي الحمراء والخمر والميسر ودم العذراء؟ لما لم يذكروا الكتائب العسكرية والطاكتيك وحراك البؤساء؟ لما لم يذكروا اللقاءات والعناقات والآمال المعلقات؟ لما لم يذكروا الصداقات والصفقات والوعود الخذل؟ لما لم يذكروا الأمواج واعوجاجها تحت أعيننا الدامعة؟  لما لم يذكروا الحب وهل تعرف ما معنى الحب وموت الحمار؟ ورقة وحفلة وصياح بأسماء وتصفيق وضحك ذقون.

رجعت إلى الديار وعرضت علي وظيفة وسميت الله وقبلتها. وظيفة لطالما مدحوها لي ومزاياها وما سأتعلم منها. وبالفعل كان ذلك. تعلمت الكثير وربما فاتني أكثر. وضعت كلما تعلمته تحت الاختبار ولم يخب فيﱠ الظن. وأصبحت جيبا وقت الضرب على الأجيب ولجامي بين يدي أول الشهر وتعاستي بعد كل يوم ثاني كل شهر. أوراق أوراق أوراق. أصبحت خبيرة في شؤون الزواج ومساطر الطلاق. -- أنصح كل مقبلة على الزواج، لا تفرحي بالزغاريد والحناء وتشبتي بمؤخر الصداق والنفقة والمتعة واجعلي مالك ملكك باسمك قبل الكتاب ووياك ثم وياك أن تثقي بابن حواء، ففي فقلبه أربع حفرات والشرع أعطاه أربع طلقات فإعطه العصمة وتصبحين واحدة من زوجات 'متولي' الأخريات.—وتعلمت كيف تبتى ملفات الزيجات المختلطة والخطوات والأسئلة المطروحة خلال لقاءات الحصول على التأشيرات واطلعت عن قرب على وثائق من العم سام والعديد من البلدان الأخرى وعلى شهادات الوفاة والازدياد والتجنيس والعزوبة والبطالة والرصائد البنكية والميزات المدرسية والمواريث والملكيات و و و وأصبحت أخشى الوصوصة.

ومضت الأيام متشابهة لدرجة أن البقال المجاورللعمل يُحضر لي طلبي حالما أقبل عليه، لدرجة أن زميلي في العمل يسألي كل صباح كيف لم أمل من فطور خبز الزرع والجبن والعسل وعصير الموز بالفواكه الجافة دون سكر وغذاء المقرونية واللحم المفروم والجين ووجبة خفيفة الفول السوداني وقطع الشكولاطة السوداء، كل يوم لمدة سنة ونصف أو أكثر. أغير بعضا إلا الفطور، لا أدري لما لم أمل من ذلك الفطور. ربما كنت أحاول التعود: أكل، شرب، نوم، عمل، أكل، شرب، نوم، عمل، أكل، شرب، نوم، عمل، أكل، شرب، نوم، عمل........ حتى نصحني أحدهم بالرياضة، لا لأنني أعاني من السمنة أو الكسل، بل لكسر الروتين ليصبح أكل، شرب، نوم، عمل، رياضة، أكل، شرب، نوم، عمل، رياضة، أكل، شرب، نوم، عمل، رياضة،......  حتى قررت ذات آخر أسبوع أن أسافر إلا طنجة أزور بعض الأصدقاء. لم أنم ليلتها فرحا، كأنني سأسافر للأول مرة، كأني سأطير لأول مرة، وكل المرات الأولى. عند الوصول، فضلت المشئ، فالتاكسي سيطير بي إلا الوجهة وأنا أود الاحتساء جرعة جرعة. أحسست عندها بالحرية والفرحة والحياة والنوستالجيا،.....بعد أشهر من الرقود والضمور وأكل، وشرب، ونوم، وعمل، ورياضة.
........................................................................................................................يتبع

  

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire