samedi 9 mars 2013

بعيدا عن الديار: الجزء الثاني



الجزء الثاني:


فها هي قد انتهت عطلة نهاية الدورة الاولى. قضيت ما يقارب الاثنا عشرة يوما مع الاهل. لم تكن كما خططت لها، لم تكن حالتي النفسية جيدة كفاية لاتاقلم من جديد مع الجو العائلي و التبريرات لكل الافعال التي اقوم بها حتى النوم. فقد تغير علي المناخ و الاجواء و حتى عائلتي، فأحسست كما لو لم يعد لي مكان داخل تلك العائلة، أخذت اختي الصغرى موضعي فاصبحت هي موضع النقاش و مركز الاهتمام.
لا، انا لا اغار من اختي الصغرى بل الوضع هو الذي تغير فهي تعيش مع خالتي العزباء في الطابق العلوي من نفس المنزل، لم تكن تهتم بامر والدي و لا هم لها. فهي 'ابنت خالتها' حيث سهرت خالتي على تربيتها و رعايتها منذ طفولتها في الوقت الذي يعمل به والدي. اما انا، في طفولتي لم تكن خالتي تلك بالمغرب، و اهتمت عمتي بتربيتي، ليس بتربيتي بل فقط الاعتناء بي ريتما تعود أمي من العمل و هكذا حتي صار عمري اربع سنوات و اذا بهم يجزونون بي باحدى الحضانات أو "الروض" و سني 4 سنوات. هذا ما جعلني أتقرب و أحب أبي أكثر من أمي، فكان هو الذي ياخذني الى الحضانة و بحكم قرب عمله من الحضانة و بحكم علاقة الصداقة التي تربطه بمدير الحضانة و الذي هو نفسه المعلم، ك ان يوصلني الى مكان عمل والدي عند انتهاء كل حصة وهكذا حتى كبرت. كل يوم يكبر فيه حبي لوالدي، فمع عقلى الصغير أن ذاك كنت أقيس مدى الحب بكمية الشوكلاطة و الحلوى و المشروبات. فكلا أشترى لي والدي أكثر كلما طلبت أكثر و كلما أحببته أكثر. حثى أمي كانت تجيئ لي بالشوكلاطة و الملابس القرمزية الفاخرة. كنت مخنثة، البنت البكر. كل العائلة تهتم بي فالعم يهتم و الجد يهتم و الجدة تهتم و العمة تهتم و أصدقاء العائلة يهتمون. أقر أني عشت أحسن أيام حياتي وسط تلك العائلة الصحراوية الضحوكة و المنسجمة. فكبرت و كبر حبي للعائلة. فكل و مكانته الخاصة. كل طريقة تعامل خاص  به.

اعتقد ان الاحلام نعمة من عند الخالق. نحلم و نحلم و نحلم ثم نصدم بالواقع المرير و لا نكل و نعاود الحلم و الحلم و الاحلام. لدي احلام، منها ما يستحيل تحقيقه، و منها ما هو سهل تحقيقه كرمشة عين، و منها ما لا اعرف حتى كيف افهمه. لطالما اردت ان ازور بلدان افريقية كافريقيا الجنوبية و زيمبابوي و شلالات فيكتوريا و غيرها من البلدان الافريقية، ليس لشيء انما لاشبع رغبة جامحة، حمقاء و ساذجة. و لسوف أفعلها يوما ما. اني من عشاق المغامرات، لا الغرامية ولكن تلك التي تتحدى الاخرين التي تميزني عن الاخرين. لا احب ان اصنع من قالب مقولب، لا اريد ان اكون من اتباع الموضة و الغرب و المظاهر الخادعة. انا من اتباع التَميز، من اتباع اللا رتابة، لا لست من الاتباع. نفسي و عقلي و أفكاري و ديني هم حُكامي .

أنا في مدينة جديدة أي داخل مجتمع له معالمه و تقاليده. يمكن أن تكون كتلك الخاصة بمجتمع الرباطي- السلاوي. أنا بمدينة جديد. يجب أن أحفظ معالمها عن ظهر قلب. أن أًضِيع في دروبها و احيائها. لا يمكن أن أضيع، عقلي كعقول الطيور، يرسم المعالم الرباعية للأماكن، ذاكرتي قوية.، ملاحظتي قوية، لا أضيع فرصت تفحص الاشياء و معرفة مكنونها ليس لانني 'بركاكة'، لكن لأني درست علوم الحياة و الارض. عوَدت نفسي أن ألاحظ بدقة و أن أكتشف الأشياء. كيف عرفت الريف؟ لصديقتي الطنجاوية الفضل في ذلك، فقد عزمتني في احدى الأمسيات اليها و هكذا ألقيت التعويذة السحرية. فرُحت أذهب هناك لوحدي كل نهاية اسبوع وكأني من أهل الدار. دار اكتشفت أن الأحب اليها هو كل من يقطع البحار و ليس من يقطع الوديان. الأحب الى أهلها من يسْبح في السماء و يمتطي السفن و ليس من يزحف على الطرقات الازفلتية المغربية الصنع.

مقهى الريف أو سينما الريف بالسوق "د برا"، هي احدى الأشياء التي عشقت و أعشق. فلا هي بالفاخرة أو المؤثتة جيدا، بضع كراسي هنا و هناكـ، اكل عليها الذهر و شرب، يعلم الله كم جلس عليها من أشخاص، مغاربة و أجانب، نساء و رجال، معتدلون ومختلون، طبيعيون من شاذون، متعلمون و جاهلون، فنانون و عامة. أشفق على الكراسي، فغالبها خرجت مصارينه مبديتا تعبها . تم تبديل الكراسي ولا يزال وجه الريف هو هو.استُبدلت الكراسي بأخرى جديد، ربما أرقى و أريح من سابقتها و أدخلت نفحة جديدة للمقهى، نفحة شبابية، نفحة طائشة، نفحة لاعقلانية. تشبه تلك الكراسي مقاعد القطار، فتحسسك بعدم الارتياح و كأنك تنتظر المغادرة على أحر من الجمر. أجل المغادرة. كيف تغادر و أنت لم تبرح مكانك. أنا أغادر وانا لم أبرح مكاني، ألا بل أطير، أُعَلي و أحلق كطير لا ريش له. بلى ولدت بالريش، لكني لم أعلم أنني كلما حلقت تركت شيئا منه خلفي كتذكار مني. الكراسي تستبدل كما يستبدل الاثاث و كل شيء بهذه الدُنيؔا فحتى الوجوه تستبدل و العقائد تستبدل و المبادئ تستبدل و المعالم تستبدل و الاحاسيس تستبدل، فما كان البارحة أعز من قرة العين يصبح أبعد من الفؤاد بعد الشمس عن الأرض، وينتسى الفضل و الخير و الصداقة و العطف و المودة و حتى الحب.

اشتركت في دورة لاحدى المدارس هنا بطنجة. دورة تستضيف معالم بارزة في الساحة المغربية كرياضيينأ، وصحفيين، ومذيعين بغية مناقشة الاوضاع بالمغرب، مثالها  وضع الرياضة بالمغرب و مشكل عزوف الشباب المغربي عن المشاركة السياسية و غيرها. في أولى الحلقات، تحدّيت نفسي و لَرفعت اصبعي لطرح سؤال. لم أكن مهتمة بطرح السؤال بقدر ما كنت مهتمة بتحدي نفسي، لتحطيم عقدة التكلم امام الملأ و الحشمة و الخوف. كنت جالسة بالطابق العلوي، كان علي النزول الى الطابق السفلى لطرح السؤال. خضت مصارعة دامية مع نفسي. رغبتي ضد قلبي الذي يكاد يخترق قفصي الصدري هاربا الى الخارج، و رجلي المشلولتين و ركبتي الخاويتين و صوتي المرتبك المرتعش. لم أكن اسمع صدى صوتي، كنت أسمع ضحكاتي، ضحكات الفوز، واشم رانحة الهزيمة على نفسي. لست بالمضطربة نفسيا، الا أني أحتجت الى تلك التجربة، و ما أزال.

كل لحظة تمر أفهم فيها نفسي. لا أحتاج لأن أضيع وقتي في فهم الأخر. أنت أنانية، انانية، أقبل بها صفة. أحب نفسي أكثر من الاخر. أبخل أن أضيع وقتي في فهم الآخر. أستكثر على الآخر وقتي. لا أريد ان يضيِع الآخر و قته في فهمي. فأنا حتى الان احاول أن أفهما. لكني بدأت أتصالح مع نفسي. أجل اتصالح مع نفسي، أتقبل ضعفها و قوتها، أتقبل تقلباتها، أتقبل غضبها. أتقبلها و أتعامل معها كما هي، كما خلقت وكما ستبقى على ما أظن.

  وها قد مضى أسبوع أخر لكنه لم يكن كباقي الأسابيع. فقد بدأ الطرو الثاني من الدراسة. كان أسبوع تقديم مواد هذه الدورة ة التعرف على الاساتذة الجدد الذي لم يسبق لهم أن درسونا. و كانت لى أيضا الفرصة لكي أنصدم بنقاط الدورة الأولى. وكانت قوية، الصدمة لسيما أني أحسست أنني قد أبليت البلاء الحس الا أن النتيجة لم تكن بالمتوقعة.

بفضل رفيقتي في السكن، انخرطت بورشة الاعمال اليدوية. لطلما أحببت الاختراع و صنع الاشياء بيدي. هي ورشة جاءت كنتيجة لشراكة بين مدرسة الملك فهد العليا للترجمة و ثانوية عباس السبتي. مؤطرتي او بالأحرى مؤطرة الجميع أستاذة بنفس الثانوية. أستاذة لو كان بمقدوري لنسخت منا العديد من النسخ و وزعتها على كل مدارس المغرب ولَصدّرت بعضا منها الى باقي البلدان العربية المسكينة الاخرى. مثلي أو أنا مثلها، تحب كل ما هو قديم، تُأمن بأن القديم يمكن اعادة احيائه. تصنع من كل ما لا قيمة له شيئا ذو قيمة. تعطي من وقتها الكثير دون مقابل. تُعلم ما تعلمته هي بدون معلم بلا مقابل. أليست نموذج المراة العربية الحرة، المثقفة و المستقلة؟ الا تَبغي كل نساء العرب أن يكن مثلها و لِما لا أحسن منها. تعلمت ان الاشياء البسيطة لو اجمعت و تلاقت مع بعضها البعض لا أنتجت عجبا. ولو نُسقت الالوان مع بعضها البعض لأعطت لوحة فنية من صنع لا بكاسو و لا فان كوك. و تعلمت كذلك ان الخردى التي لطالما نظرت اليها بالاشمئزاز ليس لقذارتها ولكن للاشياء التي تحتوي عليها، انها منبع الابتكار. فمن كان اطار صور خشبي بالٍ يمكن بالقليل من الاهتمام أن يُصبح تحفة فنية. سأتعلم في كل أسبوع طريقة جديدة لتحيين الاشياء و ارجاع روح الجِدة لها. ولسوف اتعلم و أضيف من عندي لكي ابتكر الجديد. و لسوف أصنع التحف الافريقية التي لطالما حلمت بالامتلاكها بيدي هاتين التي أكتب بهما الان. ما سأصنعه و ما سيصنعه زملائي فالورشة سيعرض للعيان في معرض مشترك بالثانوية و بمدرسة الترجمة التي لا تعرف الا الترجمة و المحافل المعرفية.

ما الفرق بين الأخلاق و الا أخلاق؟ وما الفرق بين الوعي بالأخلاق و الاوعي بها؟ و ما الفرق بين الاحترام و عدم الاحترام؟ ماذا نسمي الانسان الواعي الجاهل بالآخر، الجاهل باحتياجات الآخر، بسكوت و صمت الآخر. كيف نسمي المعتدي على الحريات و الاحتياجات الفردية؟ وهل يمكن توقع اي شئ من فاقد الشيء؟ لقد أصبح من الصعب على نفسي تحمل العالم الخارجي المحيط بها، العالم الذي يحاول تطبيعي و تسيسي و وضعي في قالبه. كيف لي أن اعيش في مجتمع كهذا.  أ أنا المجنونة أم المجتمع، أ أنا الوحيدة التي تحيى محاولتا احترام الاخرين. أ أنا الوحيدة التي لا تتحمل تصرفات الآخرين، تملقاتهم و تطفلاتهم و عجرفتهم. أ أنا الوحيدة التي تعبت من كبث مشاعرها المغتاضة، من كثم غضبها و العفو عن الناس. ففي الوقت الذي ابتسم، يبكي قلبي و ينذب و يتحصر على ما وصل له المجتمع و افراده.

أنا في حيرة قاتلة. كيف أشرح أحاسيسي المقدر لها الكتمان. كيف أبوح عن ما يخالج صدري في وقت لا يعيش حولي الا الاصماء. كيف أكشِف أوراقي و أنا لا أجيد المقامرة. كيف أقول للعالم أتركوني لأعيش. أني لا أفهم الحياة كما يفعلون، لا أتخلى على كبريائي كما يفعلون، لا أنتقص من شأن معاييري القياسية كيفما كان وضعي، أني لا أريد أن أقيد بالارتباط بالٍا بجدته، و جديد بقدمه، فأنا أرض قاحلة، لم يعد عندي ما أعطيه، و لا عندي ما أخسره، و أن الحياة درس ؛حفظته عن ظهر قلب: ففي البدأ تبدي لك الحياة زهرها لتخلص الى أن الظلمة متعة وأن الوحدة شفاء و أن الآخر علة مرضية نطلب الله الشفاء منها.  أني أضع نفسي، أحاسيسي واعتقاداتي و حرياتي فوق كل اعتبار. أني أعيش حياتي تحت قيم تعلمتها و زرعت فيّ. أني كالطير لا أتحمل الحبس ولا البقاء في نفس المكان. أني لا أحبد المدح لكن الانتقاد البناء.

وها هو ذا اسبوع اخر يمر تحت برد قارس و شتاء غزيرة كأن فصل الشتاء في بدايته. أسبوع مر، أسبوع نقص من حياتي. مر اسبوع  على زيارتي أهلي، مر أسبوع على مرق أمي و خبز الدار. أسبوع كباقي الاسابيع مكتضة هي أيامه، من 8 صباحا الى 6 مساءا. 6 ساعات من الدراسة و لحسن الحظ تكون مواضيع دروسها الترجمة، بين العربية و الفرنسية و الانجليزية، من واحدة لأخرى أتوه أنا و أذهِب عقلي في تقاسيم الصرف و التحويل و الروابط و النواسخ و الاملاء. مادة واحدة تروق لي و هي مادة الانجليزية، لانني أكون مجبرة لا مكرهة على كتابة شيء، على التعبير على شيء و هكذا أطلق العنان لصدري ليعبر عن ما يخالج، أترك أصابعي تداعب لوحة حروف الحاسوب أو تراقص القلم و الورقة. ورقة فارغة بيضاء كما ولِدت ألطخها بما اشعر به، بما أكثم ، بما أفكر فيه، و ما لا أستطيع التعبيرعنه بالكلمات الشفاهية. وهي الأن ورقة مرقعة ملطخة بحبر أسود لا ينمحي، كما أصبحت أنا الان  و سأصبح غدا و بعد غد و كل يوم. تغيبت عن ثلاث حصص هذا الأسبوع رغما عني. أنا الانسانة تحكم العقل قبل القلب، تخلد العقل لا الجسد، الا ان الجسد له حدود و طاقات لا يمكن تجاوزها. فاطيت الفرصة لجسمي الرخصة لجلس على كرسي الحكم، أدهبت عقلى و حضرت جسدي فأذا به يأخذني الا ما لا نهاية، لبت هنا و كنت هناك. نمت ساعات و ساعات حتى شبع الجسد و تمتع بلحظة السلطة المطلقة.

اليوم كباقي أيام الله. أفقت، و حمدت الله أني ما زلت حية أُرْزق. صنعت فطوري، أه يا أماه كم اتوحش صراخك حتى أنهض. أفطرت و غسلت الاواني و هممت بمراجعة الدروس، فترجمت هذا و راجعت هذا و شرحت ذاك و غمضت عيني على ذاك. موسيقى البلوز تملئ طبول اذني. أريد أن أشق على  الفايسبوك، لا أنترنيت. أحسن هكذا أهتم بدروسي أكثر. برد يُسمع صوته و ثلاجة تدندن من حين لأخر. كم أحب الصمت. صمت منقطع، أصوات تزعجوني، أرجع الى البلوز. أحساس سيء جدا أن تريد فعل شيء فلا يستجيب عقلك. أريد أن أكتب عن اليوم العالمي للمرأة، لكن ماذا أقول؟ أكتب جملا متناثرة، أمسح وأعيد الكرة بلا جدوى. ماذا أقول عن المراة؟ هل أكتفي بقول ما أعيشه كوني امراة أو أعمم؟ ماذا لو كنت أنا الوحيدة التي تعيش هكذا؟ علمونني ان الكاتب الناجح هو من يقول الحقيقة كما هي، أجل يقولها اما صراحة أم ضمنيا؟ كيف أقولها أنا؟ أنت لست بكاتبة أنت مجرد واهمة نفخ ريشها الأصدقاء. قلة هم الأصدقاء الذين يقولون الحقيقة و لو على حساب الصداقة و ضياعها. لكن أستاذة اللغة الانجليزية في احدى ملاحظاتها على أحدى كتاباتي قالت أني مشروع كاتبة. أأصدق أم أفيق من الوهم،........

1 commentaire:

  1. Just Believe, you are a writer already,
    And I'll keep sayyng this : "I full in LOVE with your articles ", so much

    RépondreSupprimer